شديدة البياض ومنتفخة
انظروا إليها بينما تغط في النوم، أليست ملاكًا صغيرًا؟ حسنًا، لنقل أنه ملاك نحيل أسمر ولكنه خفيف الظل.
أضمم الغطاء عليها وأقوم، لكنها تتمسك بيدي:
- أنا لم انم بعد، لا تتركيني
أعود لأجلس على طرف فراشها وأحكي الحكايات، ثم أتسلل على أطراف أصابعي إلى المطبخ، أغسل الصحون وأضعها على الحوض برفق، أستشعر وقع خطوات من خلفي، أسمعها تقول:
- تركتيني لماذا يا ماما؟
أدير رأسي إليها بلمحة عابرة، تطل برأسها من خلف باب المطبخ، وتتمسك بحوافه بيديها وتؤرجحه، أقول بينما أتابع عملي:
- سأنتهي بسرعه وساتيكي الان ياحبيبتي
تقول بدلال:
- لأ، الاااان
أبتسم، أغسل يدي وألتفت إليها، تختبيء برأسها خلف الباب في حين لا تزال أناملها متمسكة به.. تجحظ عيني إذ تحدّق في اليدين شديدي البياض والمنتفختين، تغزو جسدي القشعريرة، إنهما ليستا يدا ابنتي.
~
ساقاي ترتعشان، رأسها مخفية، أمن الآمن أن أظل بالمطبخ؟ زوجي تأخر، آخر ما آمل فيه لحظة مواجهة. ماذا سأفعل حين تُخرِج لي رأسها، ألا يمكن أن تكون ابنتي بخطر؟ وقد لا ينفع في شيء مما ينفع فيه الأزواج! كيف سأعبر بجوار من لا أريد أن أرى وجهها.. ابنتي تصرخ، أدفع الباب وأتجه إليها في ثانية.
أقف على بابها بلا قدمين، تبادرني بصوت باكٍ:
- كابوس يا ماما! كابوس فظيع!
أتقدم إليها، أرجع فأغلق الباب وأسنده بكرسي، ثم أعود فأتقدم. أصعد إلى الفراش وآخذها بين ذراعي:
- لا تخافي يا حبيبتي، ماما هنا
يتحرك مقبض الباب ببطء، يتحرك بعنف، يرتج بشدة، يعلو بكاء ابنتي، وربما بكائي أيضًا، أصرخ:
- إبتعدي من هنا.. ماذا تريدين مننا؟؟؟ فلتتركينا..
تتوقف المحاولات، أتوقف عن البكاء وأرهف السمع، دقائق قبل أن يرتج الشبّاك، تتشبث ابنتي بي:
- أنا خايفة يا ماما
يدوي بأذني رنينًا متواصلاً من بكاء ابنتي.. لا أتمالك أعصابي، يعلو نحيبي:
- توقفي أرجوكي! نحن لم نفعل شيء... فلتتركينا
تتوقف، أتطلع حولي في حذر، تصرخ ابنتي:
- ساعديني يا ماما
أرمق يدًا شديدة البياض ومنتفخة تمتد من أسفل الفراش تقبض على ساق ابنتي، أستجمع كل قوتي وألكمها لكمة عنيفة:
- لا تلمسي إبنتي..
تتسلل إلى أسفل الفراش، تحاوطني ابنتي بذراعيها بشدة، وتخفي وجهها بصدري، أمسد شعرها بيدي، بينما أساعدها على القيام:
- لا تخافي يا حبيتي.. سنخرج من هنا
- من أخبرك أننا سنخرج؟؟
تدفن رأسها أكثر بصدري، وتعتصر أضلعي بين ذراعيها البيضاوين الممتلئين، وبرغم الألم، أصرخ من الذهول، أدفعها عني بكل استطاعتي وأقذف بها إلى بعيد، تسقط إلى الأرض فأعبرها وأركض إلى الخارج.
أقطع السلالم للأسفل سلمين أو ثلاثة أو كلهم دفعة واحدة.. أصطدم بأحدهم فأصرخ لكني إذ أنظر في وجهه أحمد الله أنه جاء.. أصرخ:
- مسكون! في شبح.. جنّيّة، لا اعرف! إبنتنا.. البنت فوق
لا يفهم شيئًا لكنه يتركني ويركض إلى أعلى، أتبعه بحذر، يقترب إلى غرفة الطفلة خطوتين ثم يتوقف، ينظر في ذعر إلى ابنتنا الملقاة على الأرض في سكون فيما يتدفق الدم من رأسها
~
نجلس في المنزل نستقبل العزاء، لا أرغب بالكلام، أكتفي بهزة رأس على فترات متباعدة، تميل عليّ إحدى الجارات:
- كانت مثل الملاك، ربنا يصبرك يا حبيبتي، لكن كيف ماتت؟؟
لا أجيب، أرفع عيني إلى زوجي، يسعل قليلاً بينما يقول:
- يبدوإنها اتقلّبت وهي نائمه ووقعت من أعلى السرير..
يتدخل جار عجوز:
- دنيا عجيبة يا ناس.. هل تصدّقون إنه كان هنلك ساكن قبلكم ماتت إبنته بنفس الطريقة..
يشرد ببصره:
- كانت حتى بنت! بيضا ومنتفخه ومثل القمر..
يجتذب انتباهي كله، أنطق لأول مرة:
- هل قتلت؟؟؟
يجيب ببساطة:
- لأ، وقعت من على السرير!
أودّع المعزيين وأحزم حقائبي بينما أقول لزوجي:
- لا يمكنني ان أعيش هنا، فلتبيع البيت!
~
تقف الساكنة الجديدة تغسل الصحون بالمطبخ، في حين تتمسك يدا ابنتها بالباب وتخفي وجهها:
- تركتيني لماذا يا ماما؟
لا يقلقها هذا السؤال، ولكن السؤال الحقيقي: لمن هاتين اليدين السمراوتين النحيلتين؟؟~